فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلنا: الأمر كما ذكرت، والأولى أن يقال: المعنى فمن لم يستطع منكم استطاعة بالنكاح المحصنات، وعلى هذا الوجه يزول الإشكال، فهذا ما يتعلق باللغة.
أما ما قاله المفسرون فوجوه:
الأول: ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة.
الثاني: أن يفسر النكاح بالوطء، والمعنى: ومن لم يستطع منكم طولا وطء الحرائر فلينكح أمة، وعلى هذا التقدير فكل من ليس تحته حرة فإنه يجوز له التزوج بالأمة.
وهذا التفسير لائق بمذهب أبي حنيفة، فإن مذهبه أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له التزوج بالأمة.
وهذا التفسير لائق بمذهب أبي حنيفة، فإن مذهبه أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له نكاح الأمة، سواء قدر على التزوج بالحرة أو لم يقدر.
والثالث: الاكتفاء بالحرة، فله أن يتزوج بالأمة سواء كان تحته حرة أو لم يكن، كل هذه الوجوه إنما حصلت، لأن لفظ الاستطاعة محتمل لكل هذه الوجوه. اهـ.
قال الفخر:
المراد بالمحصنات في قوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات} هو الحرائر، ويدل عليه أنه تعالى أثبت عند تعذر نكاح المحصنات نكاح الاماء، فلابد وأن يكون المراد من المحصنات من يكون كالضد للاماء، والوجه في تسمية الحرائر بالمحصنات على قراءة من قرأ بفتح الصاد: أنهن أحصن بحريتهن عن الأحوال التي تقدم عليها الإماء، فإن الظاهر أن الأمة تكون خراجة ولاجة ممتهنة مبتذلة، والحرة مصونة محصنة من هذه النقصانات، وأما على قراءة من قرأ بكسر الصاد، فالمعنى أنهن أحصن أنفسهن بحريتهن. اهـ.
قال الفخر:
مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة، اثنان منها في الناكح، والثالث في المنكوحة، أما اللذان في الناكح.
فأحدهما: أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق، وهو معنى قوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات} فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة.
فإن قيل: الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة، فمن أين هذا التفاوت؟
قلنا: كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات، وعلى هذا التقدير يظهر هذا التفاوت.
وأما الشرط الثاني: فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} [النساء: 25] أي بلغ الشدة في العزوبة.
وأما الشرط الثالث: المعتبر في المنكوحة، فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة، فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين: الرق والكفر، ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق، وحينئذ يعلق الولد رقيقا على ملك الكافر، فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكا للكافر، فهذه الشرائط الثلاثة معتبرة عند الشافعي في جواز نكاح الأمة.
وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فيقول: إذا كان تحته حرة لم يجز له نكاح الأمة، أما إذا لم يكن تحته حرة جاز له ذلك، سواء قدر على نكاح الحرة أو لم يقدر، واحتج الشافعي على قوله بهذه الآية وتقريره من وجهين: الأول: أنه تعالى ذكر عدم القدرة على طول الحرة، ثم ذكر عقيبه التزوج بالأمة، وذلك الوصف يناسب هذا الحكم لأن الإنسان قد يحتاج إلى الجماع، فإذا لم يقدر على جماع الحرة بسبب كثرة مؤنتها ومهرها، وجب أن يؤذن له في نكاح الأمة، إذا ثبت هذا فنقول: الحكم إذا كان مذكورا عقيب وصف يناسبه، فذلك الاقتران في الذكر يدل على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف، إذا ثبت هذا فنقول: لو كان نكاح الأمة جائزا بدون القدرة على طول الحرة ومع القدرة عليه لم يكن لعدم هذه القدرة أثر في هذا الحكم ألبتة، لكنا بينا دلالة الآية على أن له أثرا في هذا الحكم، فثبت أنه لا يجوز التزوج بالأمة مع القدرة على طول الحرة.
الثاني: أن نتمسك بالآية على سبيل المفهوم، وهو أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، والدليل عليه أن القائل إذا قال: الميت اليهودي لا يبصر شيئا، فإن كل أحد يضحك من هذا الكلام ويقول: إذا كان غير اليهودي أيضا لا يبصر فما فائدة التقييد بكونه يهوديا، فلما رأينا أن أهل العرف يستقبحون هذا الكلام ويعللون ذلك الاستقباح بهذه العلة، علمنا اتفاق أرباب اللسان على أن التقييد بالصفة يقتضي نفي الحكم في غير محل القيد.
قال أبو بكر الرازي: تخصيص هذه الحالة بذكر الإباحة فيها لا يدل على حظر ما عداه، كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق} [الإسراء: 31] ولا دلالة فيه على إباحة القتل عند زوال هذه الحالة، وقوله: {لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130] لا دلالة فيه على إباحة الأكل عند زوال هذه الحالة، وقوله: {لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} لا دلالة فيه على إباحة الأكل عند زوال هذه الحالة، فيقال له: ظاهر اللفظ يقتضي ذلك، إلا أنه ترك العمل به بدليل منفصل، كما أن عندك ظاهر الأمر للوجوب، وقد يترك العمل به في صور كثيرة لدليل منفصل، والسؤال الجيد على التمسك بالآية ما ذكرناه، حيث قلنا: لم لا يجوز أن يكون المراد من النكاح الوطء، والتقدير: ومن لم يستطع منكم وطء الحرة، وذلك عند من لا يكون تحته حرة، فإنه يجوز له نكاح الأمة، وعلى هذا التقدير تنقلب الآية حجة لأبي حنيفة.
وجوابه: أن أكثر المفسرين فسروا الطول بالغنى، وعدم الغنى تأثيره في عدم القدرة على العقد، لا في عدم القدرة على الوطء.
واحتج أبو بكر الرازي على صحة قوله بالعمومات، كقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء} [النساء: 3] وقوله: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} وقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} وقوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} [المائدة: 5] وهو متناول للاماء الكتابيات.
والمراد من هذا الإحصان العفة.
والجواب: أن آيتنا خاصة، والخاص مقدم على العام، ولأنه دخلها التخصيص فيما إذا كان تحته حرة، وإنما خصت صونا للولد، عن الارقاق، وهو قائم في محل النزاع. اهـ.
قال الفخر:
ظاهر قوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات} يقتضي كون الإيمان معتبرا في الحرة، فعلى هذا: لو قدر على حرة كتابية ولم يقدر على طول حرة مسلمة فإنه يجوز له أن يتزوج الأمة، وأكثر العلماء أن ذكر الإيمان في الحرائر ندب واستحباب، لأنه لا فرق بين الحرة الكتابية وبين المؤمنة في كثرة المؤنة وقلتها. اهـ.
قال الفخر:
من الناس من قال: إنه لا يجوز التزوج بالكتابيات ألبتة، واحتجوا بهذه الآيات، فقالوا: إنه تعالى بين أن عند العجز عن نكاح الحرة المسلمة يتعين له نكاح الأمة المسلمة، ولو كان التزوج بالحرة الكتابية جائزا، لكان عند العجز عن الحرة المسلمة لم تكن الأمة المسلمة متعينة، وذلك ينفي دلالة الآية.
ثم أكدوا هذه الدلالة بقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وقد بينا بالدلائل الكثيرة في تفسير هذه الآية أن الكتابية مشركة. اهـ.
قال الفخر:
الآية دالة على التحذير من نكاح الإماء، وأنه لا يجوز الإقدام عليه إلا عند الضرورة، والسبب فيه وجوه: الأول: أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية، فإذا كانت الأم رقيقة علق الولد رقيقا، وذلك يوجب النقص في حق ذلك الإنسان وفي حق ولده.
والثاني: أن الأمة قد تكون تعودت الخروج والبروز والمخالطة بالرجال وصارت في غاية الوقاحة، وربما تعودت الفجور، وكل ذلك ضرر على الأزواج.
الثالث: أن حق المولى عليها أعظم من حق الزوج، فمثل هذه الزوجة لا تخلص للزوج كخلوص الحرة، فربما احتاج الزوج إليها جدا ولا يجد إليها سبيلا لأن السيد يمنعها ويحبسها.
الرابع: أن المولى قد يبيعها من إنسان آخر، فعلى قول من يقول: بيع الأمة طلاقها، تصير مطلقة شاء الزوج أم أبى، وعلى قول من لا يرى ذلك فقد يسافر المولى الثاني بها وبولدها، وذلك من أعظم المضار.
الخامس: أن مهرها ملك لمولاها، فهي لا تقدر على هبة مهرها من زوجها، ولا على إبرائه عنه، بخلاف الحرة، فلهذه الوجه ما أذن الله في نكاح الأمة إلا على سبيل الرخصة، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أيمانكم} أي فليتزوج مما ملكت أيمانكم.
قال ابن عباس: يريد جارية أختك، فِإن الإنسان لا يجوز له أن يتزوج بجارية نفسه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} أي فَلْيَتَزَوّج بأَمَة الغير.
ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز له أن يتزوّج أَمَةَ نفسه؛ لتعارض الحقوق واختلافها. اهـ.

.قال الفخر:

الفتيات: المملوكة جمع فتاة، والعبد فتى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم عبدي ولكن ليقل فتاي وفتاتي» ويقال للجارية الحديثة: فتاة، وللغلام فتى، والأمة تسمى فتاة، عجوزًا كانت أو شابة، لأنها كالشابة في أنها لا توقر توقير الكبير. اهـ.

.قال القرطبي:

ولفظ الفتى والفتاة يطلق أيضًا على الأحرار في ابتداء الشباب، فأما في المماليك فيطلق في الشباب وفي الكِبَر. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {مّن فتياتكم المؤمنات} يدل على تقييد نكاح الأمة بما إذا كانت مؤمنة فلا يجوز التزوج بالأمة الكتابية، سواء كان الزوج حرًا أو عبدا، وهذا قول مجاهد وسعيد والحسن، وقول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز التزوج بالأمة الكتابية.
حجة الشافعي رضي الله عنه: أن قوله: {مّن فتياتكم المؤمنات} تقييد لجواز نكاح الأمة بكونها مؤمنة، وذلك ينفي جواز نكاح غير المؤمنة من الوجهين اللذين ذكرناهما في مسألة طول الحرة، وأيضا قال تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: النص والقياس: أما النص فالعمومات التي ذكرنا تمسكه بها في طول الحرة، وآكدها قوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وأما القياس فهو أنا أجمعنا على أن الكتابة الحرة مباحة، والكتابية المملوكة أيضا مباحة، فكذلك إذا تزوج بالكتابية المملوكة وجب أنه يجوز.
والجواب عن العمومات: أن دلائلنا خاصة فتكون مقدمة على العمومات، وعن القياس: أن الشافعي قال: إذا تزوج بالحرة الكتابية فهناك نقص واحد، أما إذا تزوج بالأمة الكتابية فهناك نوعان من النقص: الرق والكفر، فظهر الفرق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {المؤمنات} بيّن بهذا أنه لا يجوز التزوّج بالأَمَة الكتابية، فهذه الصفة مشترطة عند مالك وأصحابه، والشافعيّ وأصحابه، والثوري والأوْزَاعِيّ والحسن البَصْرِيّ والزُّهْرِيّ ومَكْحول ومجاهد.
وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي: نكاح الأَمة الكتابية جائز.
قال أبو عمر: ولا أعلم لهم سَلَفًا في قولهم، إلا أبا مَيْسرة عمرو بن شُرَحْبِيل فإنه قال: إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهنّ.